الابتكار لغة يرد بمعنى الإنشاء والاختراع
على غير مثال. الابتكار اصطلاحاً غير متفق عليه في صيغة واحدة بل كل تعريف يلمس أو
يركز على ركن من أركانه عموماً. معنى الإبداع كما يشير فروم أنه إنتاج شيء جديد
يراه أو يسمعه الآخرون. ويذهب سميث إلى أنه إيجاد علاقات بين الأشياء لم
يسبق أن قيل أن بينها علاقات. ويتفق تورانس مع هؤلاء في تعريفاتهم ويشير إلى
أن الإبداع هو أفكار جديدة وأصيلة (مرسي 1992، ص19). فمن خلال هذه التعريفات
نجد أن الإبداع تتنوع وتتعدد تعريفاته ما بين اختراع، وتطوير علاقات، والإتيان
بأفكار جديدة ومتميزة. يقصد بالابتكار اصطلاحاً إضافة لما سبق “تلك العملية
الذهنية المنتجة لمعطيات جديدة.. كما أنه سلوك قابل للتعلم الاجتماعي والتدريب”
(بدرية إبراهيم وعائشة جاسم،1987.
يقول د. طارق السويدان (2001 م) “لكي يتمكن
الإنسان من الوصول إلى الإبداع العملي لا بد أن يبدأ بالتفكير الإبتكاري وهذا
يتطلب عقلاً متفتحاً مُدرباً على العمل بطرق غير تقليدية، فالعقل الروتيني الذي
تعود على العمل بطرق ثابتة لا يستطيع أن يأتي بالأفكار الجديدة التي هي أساس
الإبداع. القدرة الإبداعية موجودة لدى كل إنسان عاقل، ولكنه إن لم يستعملها لفترة
طويلة ستضمر وتضعف ويحتاج أن يدربها ليعيد إليها القوة والحيوية” .
ليس كل المبدعين كانوا من الممتازين في
المدارس فمثلا توماس أديسون (1847- 1931 م) طرد من المدرسة ولم يدرس فيها إلا
شهرين فقط، فقد علمته أمه القراءة وهذا ما كان يحتاج إليه ولكنه أصبح مبدعاً باختراعاته
في توليد الكهرباء والطاقات المولدة من خلال إطلاعه على الكتب وعناية والدته
بأسئلته فاخترع أكثر من ألف اختراع مختلف والتي ينعم بثمارها العالم بأسره وسمي
بملك المخترعين.
وهكذا فإن المبدع هو الشخص الذي يقدم فكرة
جديدة من مجموعة أجزاء متفرقة وهو الذي يطور العلاقات السابقة بعلاقات منظمة جديدة
ومتميزة ولا يقتصر الإبداع على فئة معينة في المجتمع بل كل إنسان عنده جوانب إبداع
وتميز في جانب من الجوانب إذا قام بتنمية ذلك الجانب.
يمر المبدع عادة بمراحل عديدة كي يُنتج عملاً
مبتكراً فمن هذه المراحل:
1-التنظير: وهي مرحلة تخيل الفكرة والإعداد
لها.
2-مرحلة التطوير: هنا تبدأ عملية البحث
وكيفية العمل بالفكرة وتكون أيضا من خلال وضع الفكرة باللاشعور حتى يتمكن العقل
الباطن من التطوير والبحث عن الفكرة الجديدة المناسبة.
3-مرحلة التطبيق: وفي هذه المرحلة تبدأ صياغة
الفكرة بعدة أشكال ثم يتم اختيار الصياغة المناسبة لها.
4-مرحلة التقويم: حيث يقوم المبدع بقياس
الفكرة التي توصل إليها أثناء وبعد نهاية العمل، وكذلك يحاول إقناع الآخرين
بها. لذا تعتبر مرحلة التقويم من أصعب المراحل التي يمر بها المبدع.
التركيز على فكرة الإبداع والابتكار والنقد
الهادف من سمات التعليم المعاصر فإن الأسرة الناجحة هي التي تشجع الفرد على
التجديد وتوفر أجواء العطاء وكذلك المدرسة.
من الحقائق التربوية في عالم اليوم أن الطفل
خياله واسع ومن ثم قدرته على الإبداع أعظم من الراشدين فالطفل على صغره عالم شاسع
مازال المربون رغم رحلتهم الطويلة في محيطه يسبحون عند شاطئه لم يحصلوا إلا على
بعض درر الإبداع التي أودعها الله جل ثناؤه في نفس الطفل.
يروى أن طفلاً سأل والده عن الازدحام المروري
الشديد الذي شل حركة السير في شارع ما فقال الأب: إن السيارات لا تستطيع أن تعبر
لوجود شاحنة عند مدخل النفق حيث توقفت بسبب ارتفاعها بشيء بسيط عن النفق وأن رجال
الأمن والإطفاء يفكرون في كيفية إخراج الشاحنة دون الإضرار بالنفق. قال الابن: هذه
مشكلة بسيطة وعندما طبق رجال الأمن اقتراح الطفل نجحت الفكرة بسهولة. لقد اقترح
الطفل أن يقوم سائق الشاحنة بإخراج هواء عجلة السيارة إلى أقل حد يمكن معه أن تسير
الشاحنة وبالفعل قل ارتفاع الشاحنة ومرت بسلام. أحياناً الإبداع هو مخالفة المألوف
فلذلك المجتمع الجامد قد يرده ويحاربه.
بيرسي الذي كما يقال تفكر بانعكاس الضوء
ليلاً من أعين القطط فاستلهم عاكسات الضوء ليلاً في الشوارع لتساعد السائق على
رؤية الخطوط و المسارات في الشارع لم يكترث أحد به أو باكتشافه حتى بدأت الحرب
العالمية الثانية وفي عام 1939 م ولأسباب أمنية اعتمد البريطانيون الفكرة
الإبداعية لبيرسي ولعبت القطع المطاطية المزروعة في الشوارع دورها في انعكاس الضوء
مع الأنوار الخافتة للسيارات العسكرية وأصبح الطريق رغم المنعطفات والمنحنيات
قليلة الأخطار ولا يمكن للطائرات كشف موقعها وأصبح الإبداع والحلم الذي جاء من
عيون القطط إلى عالم الفكر والتطبيق حقيقة في كل بلاد العالم.
اكتشاف وإرشاد النابغين إلى الجهات التي تنمي
قدراتهم إلى أقصى حد تسمح بها امكاناتهم الكامنة بدأت تأخذ اهتماماً تربوياً
كبيراً. وكذلك فإن التربية الحديثة لا تهمل المتعلمين الذين لم يحققوا نسبة النجاح
في الاختبارات فإن الطلاب أصحاب التحصيل المتدني قد يعانون من مشاكل وعلى المدرسة
اكتشافها وحلها وقد يكون النظام التعليمي له سياسة لا تناسب تلك الشريحة ولا
تستوعب خصوصياتها.
“ويعزو
ابن خلدون خمود الإبداع في الأسرة الذي شاع في البلاد إلى رداءة طرق التدريس التي
أهملت فيها المناقشة والمذاكرة والحوار وتوليد طرائق التفكير، ومن ثم تموت ملكة
الإبداع. فيقول: “فأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل
العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق